منتدى الشلة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

حياكم الله في منتدى الشلة


    الصراع على التاريخ (4-4)

    بوكشة
    بوكشة
    المدير
    المدير


    عدد المساهمات : 124
    نقاط : 556
    تاريخ التسجيل : 23/08/2010

    الصراع على التاريخ (4-4)  Empty الصراع على التاريخ (4-4)

    مُساهمة  بوكشة الخميس أغسطس 26, 2010 8:05 am



    خلصنا في نهاية الحلقة الماضية عن أوجه الاشكاليات والجدل في كتابة التاريخ المصري بأن اخطرها سواء في مصر او غيرها من البدان العربية تلك التي تنحو الى كتابة التاريخ على اساس مذهبي او طائفي، فلا يرى المؤرخ او الباحث او الكاتب المهتم بتاريخ وطنه حضارة لوطنه الا بمنظار حضارة الطائفة التي ينتمي إليها، ولا يرى عراقة لسكانه إلا بمنظار طائفي، ويرفض ان يشاركه الآخر في هذه العراقة، والآخر يمقت احتكاره هذه العراقة ولا يعترف له بها مادامت تلك هي النظرة لتاريخ الوطن في سياق الصراعات الطائفية المجيرة بديلا مزيفا لستر الصراعات الاجتماعية ومادام جرى تغييب الهوية الوطنية الجامعة التي في ظلالها وفي ظلال التسامح والتواد الوطني يمكن قراءة تاريخ الاوطان دونما زيادة او نقصان (أخبار الخليج 17/8/2010).
    وفي سياق الحلقة نفسها كنا قد اشرنا الى أن النموذج المصري من اكثر النماذج العربية تآلفا وتسامحا بين مكونات نسيجها الوطني الاجتماعي وبخاصة المسلمون من جهة والاقباط من جهة اخرى، وقلنا انه حتى من الصعوبة التفرقة بين المسيحي والمسلم في اللهجة والسحنة وقسمات الوجه بل في كثير من الاحيان حتى من الاسم، بل غالبا ما لا يقطن المسيحيون المصريون في أحياء او مدن مقفلة خاصة بهم على نحو ما تعرفه بعض البدان العربية الاخرى التي يعرف التعددية المذهبية او الطائفية كلبنان على سبيل المثال لا الحصر.
    وكان المؤرخ المصري الدكتور يونان لبيب رزق من المؤرخين الذين عالجوا اشكاليات المسألة الطائفية في مصر عبر تأصيل جذورها التاريخية وتطوراتها المعاصرة، واعتبر النظام الطائفي شكلا متخلفا من أشكال النظام الاقتصادي الاجتماعي الذي ساد في العصر الاقطاعي حيث كانت الطائفة في ذلك العصر تشكل كيانا اجتماعيا يكاد يكون منفصلا عن سائر الكيانات الاخرى، وذلك من خلال الوجود في حي او حارة خاص بها، وبناء علاقات مصاهرة داخلية بشكل دائب تحول ابناء الطائفة الى اسرة كبيرة يرتبط جميع اعضائها بروابط القربى، وتوارث اسرار المهنة التي تميزهم عن غيرهم من الطوائف مما ادى في نهاية الامر الى تكريس الانفصال بين مختلف الطوائف التي تشكل المجتمع.
    (الطائفية.. إلى أين؟ فرج فودة، يونان لبيب، خليل عبدالكريم، دار المصري للنشر، الجيزة 1987).
    وتأسيسا على هذه الفرضية رأى لبيب ان المجتمع الاقطاعي بنظامه الطائفي في مصر لم تهتز قوائمه إلا بفضل محاولة بناء الدولة الحديثة التي اضطلع بها محمد علي باشا والي مصر.
    وحينذاك، أي قبل خلخلة النظام الاقطاعي الطائفي، لا حظ لبيب وجود قرى بأكملها في الريف المصري إما تتكون من الاقباط وحدهم وإما تتكون من المسلمين فحسب.
    وفي المدينة كان ابناء كل دين او جنسية يتخذون لهم حارات خاصة بهم (كاليهود والنصارى والشوام والمغاربة) ولكن بعد الحملة الفرنسية وما احدثته من صدمة للمجتمع الاقطاعي مرورا بمحاولات محمد علي بناء الدولة الحديثة انهار نظام الحارات بفضل وجود سلطة مركزية قوية ويمكننا وصفها استنادا الى ملاحظات المؤرخ يونان لبيب بأنها سلطة رأسمالية جنينية غير سابقتها ذات الطابع الاقطاعي وتغلغل نفوذها الى داخل الحارة والمناطق المغلقة وعجز سلطات الطوائف عن المنافسة واخذ أبناؤها يتحولون الى الأعمال الجديدة التي أفرزها التطور وكان لهؤلاء من مختلف الملل والأعراق دور في بناء الدولة الحديثة وقد ترتب على بناء الدولة الحديثة، اهتزاز دعائم النظام الطائفي وبخاصة بعد اعتماد التعليم الحديث واندثار التعليم الديني المغلق الخاص بكل طائفة.
    ويشير لبيب الى ان المرحلة التاريخية من 1882 إلى 1919 هي المرحلة التي شهدت التوجه والانصهار الوطنيين هذا على الرغم من ان الاقباط تقاعسوا عن نصرة الثورة العرابية ولم يكن هذا التقاعس الا لان هذه الثورة رفعت فكرة الجامعة الاسلامية في مصر، الأمر الذي اعتبره الاقباط شعارا لا يستوعبهم، والفكرة كما هو معروف جاءت تحت تأثير دعوة جمال الدين الافغاني حينذاك ولم يكن الفكر القومي او المصري الموحد قد تبلورا.
    وهذا العزوف يمكن اعتباره درسا تاريخيا مهما لكل الحركات والانتفاضات الشعبية التي ظهرت بعدئذ في الأقطار العربية ذات التعدديات الدينية والمذهبية والتي وقعت في محذور تبني شعارات او توجهات طائفية لا تجمع كل فئات الشعب حولها مهما تكن احجية او وجاهة احتجاجاتها المطلبية الاجتماعية والسياسية.
    اما خلال ثورة 1919 فان شعار "وحدة الهلال والصليب" لم يرفع من فراغ بل يرجع إلى عدة أسباب كان من اهمها - حسب المؤرخ لبيب رزق - التخلص من روابط دولة الخلافة الاسلامية العثمانية ونضج الهوية المصرية الخالصة الشاملة للمسلمين والأقباط وبرزت منهم عائلات في زعامة الثورة وزعامة الوفد، وهذا الدور للأقباط فرض نفسه موضوعيا بعدئذ ليختار منهم سعد زغلول وزيرين في وزارة الشعب عام 1924 (مرقص حنا وواصف بطرس غالي) وأصر زغلول على تثبيتهما رغم اعتراض الملك فؤاد.
    وبعد وفاة سعد عام 1927 اجتمعت الهيئة الوفدية لتختار لزعامتها مسلما وقبطيا (مصطف النحاس رئيسا ومكرم عبيد سكرتيرا).
    بطبيعة الحال بعد ثورة 1952 يقول د.يونان لبيب بدا كأن ملف المسألة الطائفية قد أغلق الى الأبد خلال الخمسينيات والستينيات حتى فوجئ الكثيرون بإطلالة رأسها في السبعينيات ثم تفجرها في الثمانينيات، وقد حلل بعمق الاسباب الطبقية والدينية والاجتماعية لعودتها في مصر، وهي على أي حال عوامل جديرة وملهمة لكل الاقطار العربية التي ما برحت تواجه اشكاليات وحساسيات طائفية في كتابة تاريخها الوطني الموحد، ويمكن الاطلاع عليها لمن يشاء في المصدر السابق الذكر (الطائفية.. الى أين؟).
    [b]

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين مايو 20, 2024 3:28 pm