يتخوف المراقبون من ان تنشب اضطرابات شعبية حول العالم، ولاسيما في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، جراء ارتفاع أسعار القمح في الأسواق العالمية بسبب موجة الجفاف والحرائق التي ضربت روسيا، التي تعد واحدة من أكبر منتجي القمح في العالم، فضلاً عن الكوارث الطبيعية من فيضانات وأمطار وموجات حر تجتاح دولاً عدة في العالم.
وحتى الآن ارتفع سعر القمح بنسبة 25 في المائة، وهناك من يخشى من تكرار أزمة عام 2008 عندما بلغ سعر القمح 13 دولاراً لكل 27 كيلوجراماً، بسبب اندلاع الأزمة المالية العالمية آنذاك.
فهل يشهد العالم المزيد من التظاهرات بسبب ارتفاع اسعار رغيف الخبز، ام ستكفي المخزونات المتوافرة حاليا لسد النقص في المحاصيل ريثما يتم حصد محصول القمح الشتوي؟
"أورينت برس" - أعدت التقرير التالي:
انطلقت صافرات الإنذار الغذائية حول العالم بعدما أعلنت روسيا أخيراً أنها تتوقع انخفاض محاصيل الحبوب لديها بنسبة 35 في المائة عن العام الماضي بسبب أسوأ موجة جفاف تضرب البلاد منذ 30 سنة، مما يعني ارتفاع أسعار القمح بصورة تلقائية.
وكانت موجة الحرائق التي ضربت روسيا قد أتلفت نحو ربع محاصيل الحبوب لهذه السنة، ولا ترى روسيا نهاية قريبة لموجة الحر التي تضربها منذ شهر وتسبب حرائق غابات في غرب البلاد. وتفاقم الوضع الى درجة دفعت الرئيس ديمتري مدفيديف الى اعلان حالة الطوارئ في سبع مناطق. وهو ما دفع بالكرملين أيضاً إلى فرض حظر على تصدير القمح مما سيزيد من فرص ظهور أزمة قمح دولية قد تفضي إلى نقص حاد في الغذاء في عدد من الدول التي تعتمد على استيراد هذه المادة الحيوية، ولاسيما بعض دول الشرق الأوسط ودول الخليج وشمال افريقيا، وعلى رأسها مصر التي تعد من أكثر الدول استيراداً للقمح الروسي، إذ تتراوح الكميات المستوردة من السوق العالمية ما بين ستة وسبعة ملايين طن سنويا، منها 50 في المائة من روسيا. وقد اقرت الحكومة المصرية أن ميزانيتها ستتكبد ما بين 400 إلى 700 مليون دولار لتعويض فروق الأسعار في استيراد القمح.
استمرار الحظر
وسوف يستمر هذا الحظر الروسي على صادرات القمح حتى شهر ديسمبر المقبل، وفي ذلك الحين ستكون روسيا قد كونت فكرة جيدة عن الناتج من القمح الشتوي ذي الأهمية البالغة.
فالمحصول الحالي الذي تعرض للضرر هو القمح الربيعي الذي يمثل أقل من 20 في المائة من إجمالي إنتاج القمح في المناطق الأشد تضرراً، وتبدأ فترة الزراعة الشتوية الأعظم أهمية في منتصف أغسطس وتستمر حتى سبتمبر، فإذا استمرت الأحوال الجوية الجافة من الممكن أن تتأخر الزراعة أو في أسوأ الظروف تتوقف تماماً، وسوف يؤدي هذا الشعور بعدم اليقين إلى الإبقاء على دعم الأسعار حتى حدوث تغير في الأحوال الجوية في أنحاء المنطقة.
وبالرغم من مسارعة عدد من الدول العربية مثل السعودية ومصر والجزائر والأردن إلى التأكيد ان لديهم مخزونات كافية وأنه لن يكون هناك تأثير فوري في المواطنين، فإن بعض المحللين يحذر من احتمال تزايد خطر اندلاع أعمال العنف في الشوارع إذا ظلت الأسعار مرتفعة، ولم يجد المواطنون ثمن رغيف الخبز.
ارتفاع تلقائي
وقد أدت مجموعة الأحداث الكارثية التي تجتاح سوق القمح حتى الآن إلى دفع الأسعار في بورصة شيكاغو إلى الارتفاع بنسبة 80 في المائة لتصل إلى أعلى مستوى لها في 23 شهرا خلال الشهر الماضي وقد اكتسبت صدى إضافيا مع إذاعة أخبار فرض حظر روسي على الصادرات، مما ترك السوق معرضة لمزيد من الزيادات في الاسعار فيما ستضطر الدول المستوردة للقمح في منطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط إلى البحث عن أماكن أخرى تمدها بالقمح.
ويبقى المستفيد الوحيد من هذه الأخبار السيئة التي تؤشر إلى نقص في محصول الحبوب لهذا العام، الولايات المتحدة التي تشير التقديرات إلى زيادة في محصول الحبوب لديها، مما يعني ان أسعار القمح داخل الولايات المتحدة ستبقى مستقرة حسب المراقبين بسبب وفرة المحصول معطياً امتيازاً للمزارعين الأمريكيين على نظرائهم في المناطق التي تعرف ندرة في المنتج.
لذلك يمكن ان يتعرض الانتاج الامريكي الذي يبدو غزيرا، لضغوط الطلب المتزايد من اجل التعويض عن نقص الانتاج في روسيا ولاسيما ان الولايات المتحدة تخزن أكثر من 26 مليون طن من القمح. لكن القمح الروسي يشكل 11 في المائة من الصادرات العالمية، لذلك فإن عدداً من الخبراء يرى أن الأزمة لم تصل بعد إلى قمتها المتوقعة بعد فترة "حصاد القمح في الدول الأوروبية"، إذ إن بريطانيا وألمانيا وهنغاريا وبولندا وهي من الدول المنتجة للقمح تعاني أيضاً الجفاف، وإن غابت الحرائق عن الصورة، مما يعني تراجعاً في المحاصيل.
أما في أوروبا الجنوبية: إيطاليا ورومانيا وبلغاريا وسلوفاكيا، فإن الرطوبة وموجات من المطر خارج موسم الأمطار تسببت في تأخير الحصاد، وهو ما يمكن أن ينعكس أيضاً تراجعاً في المحصول. ويتوقع الخبراء أن يتراجع محصول الاتحاد الأوروبي نحو 5 ملايين طن، إضافة إلى فقدان 20 مليون طن في روسيا و12 مليون طن في شرق أوروبا، وكذلك في اوكرانيا وكازاخستان اللتين تواجهان موجة جفاف ايضًا.
اما كندا التي شهدت امطاراً غزيرة في الربيع، فيفترض ان تشهد تراجعاً في انتاجها، وسوف يكون النقص بحدود 5 ملايين طن، أي بحدود ربع إنتاجها. وما يزيد الاوضاع سوءاً ان الهند وباكستان اللتين تؤمنان نحو 15 بالمائة من انتاج القمح العالمي، تواجهان امطاراً غزيرة ايضاً وفيضانات.
إنتاج الصين (زيادة 3 ملايين طن) والولايات المتحدة (زيادة 20 مليون طن) فقط يظهر زيادة بسبب عوامل طبيعية مناسبة. أما في منطقة الشرق الأوسط، فإن إيران سوف يزيد إنتاجها بنسبة 20 في المائة (5،2 مليون طن) بينما تتراجع نسبة محصول سوريا بسبب فيروس (الصدأ الأصفر) الذي أصاب سهولها قبل الحصاد (تراجع نصف مليون طن)، بينما يتوقع زيادة إنتاج المغرب بنسبة 4،2 مليون طن، وسوف تحافظ دول مصدرة للقمح مثل فرنسا والأرجنتين وافريقيا الجنوبية على نسبة محصولها السابق من دون زيادة، مما يشير إلى تراجع عام في محصول هذه السنة قد يقود ليس فقط إلى زيادة التوتر على أسعار القمح بل إلى امتناع بعض الدول عن استعمال مخزوناتها الاحتياطية بعكس تطمينات منظمة "الفاو".
تطمينات الفاو
وعلى اثر هذه التطورات، كانت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) قد راجعت توقعاتها للمنتج العالمي هذه السنة من 676 مليون طن إلى 651 مليون طن، مع إطلاق موجة "تطمينات" بأن التوازن في السوق مؤمن، وأن احتياطيات مخزون الحبوب العالمية كافية لسد النقص في المحاصيل الحالية. وأوضح كين آش، مدير التجارة والزراعة في المنظمة، التي تتخذ من باريس مركزاً لها، انه "من السابق لأوانه عقد مقارنات مع ارتفاع الأسعار قبل سنتين". واستطرد أن التوتر الحالي محصور في أسعار القمح، بينما إبان أزمة 2007- 2008 طال ارتفاع الأسعار مجمل السلع الغذائية الأساسية، وشدد مرة أخرى على ان "المنظمة العالمية تعارض فرض قيود على الصادرات"، في اشارة الى رفض الحظر الروسي على صادرات القمح.
لكن رغم هذه التطمينات، لايزال الكثيرون حول العالم يتخوفون من غلاء القمح بسبب تجارب عدة في الماضي، وهناك من يؤكد أن ما يأتي سيكون أسوأ في حال لم يتم اتخاذ تدابير فورية لتدارك وقوع الازمة وارتفاع اسعار القمح بشكل صاروخي، علماً ان من المسببات الرئيسية لارتفاع اسعار القمح، الى جانب الحرائق وموجات الحر الشديدة، هو تنامي مساحة زراعة الحبوب من أجل انتاج الوقود الطبيعي، وارتفاع الطلب على القمح في العالم بسبب ارتفاع عدد سكان الارض، فضلاً عن الشكوك التي تساور المستثمرين بشأن ضخ الاموال في هذا القطاع بسبب الكوارث الطبيعية المحدقة بالعالم.