لن تكون لجهود منع التحريض والعنف أي معنى بدون التأمل في المصطلحين اللذين تجمدا عند مفهوم التحريض الجسدي دون المعنوي، مع أن الثاني سابق للأول. إغفال تعريف معنى الكلمتين هو الذي أفشل الجهود السابقة في مواجهة أعمال التخريب، وهو ما سيُفشل أية جهود حاضرة ومستقبلية. وسأبدأ بمثال يُثبت فشل الجميع - بمن فيهم جهات محسوبة على الحكومة - في اكتشاف مواقع التحريض.
في نهاية شهر يوليو الماضي أقيم احتفال في مجمع الريف بالمحافظة الشمالية برعاية المحافظة الشمالية المحسوبة على وزارة الداخلية أي المحسوبة على الدولة مباشرة. حمل المهرجان شعار المحبة والوحدة الوطنية، غير أن الصدمة جاءت في اختيار الشخصية الأهم التي قدمت فقرات المهرجان وهو الرادود السعودي نزار القطري المعروف بقصائده التكفيرية والتحريضية ضد رموز الإسلام (موجودة على موقعه الرسمي) وحتى عندما يصف قتلة الإمام الحسين وآل البيت عليهم السلام بأنهم نواصب (ولا اعتراض على هذه الكلمة في هذا الموقف) فإنه يربط بين هذه الوقائع وبين خرافات تعرض بعض أهل النبي صلى الله عليه وسلم للظلم والاعتداء عن طريق الضرب والحرق والكسر وأكل الحقوق. ولا أحبذ في هذا المقام كتابة الأسماء الحوادث بعينها حيث ان هدفي هو المصارحة والتنبيه والعلاج وليس نكأ الجرح. هذا الربط ما بين الواقعة والخرافة يؤكد أن المقصود بهذه الكلمة التكفيرية القبيحة هم هؤلاء الرموز أنفسهم وبالتالي من اتباع منهجهم من الموجودين حالياً والمهددين "بالثأر".
إذا كانت هذه الجهة المحسوبة على وزارة الداخلية لا تدرك عواقب احتضان أمثال هؤلاء التكفيريين، هل نعتقد إذن أن المواطن سيمتلك الوعي الكافي لمحاربة أشكال التحريض والفتنة المحيطة به؟ استضافة هذا الشخص واحتضانه برعاية رسمية هو بمثابة تزكية لهذا الشخص وتقويته وإعطائه هيئة لا يستحقها. فكروا معي: ماذا لو تأثر أحد الناشئة بالمظهر التوحيدي الذي ظهر به هذا الرادود في تلك المناسبة وتزكية المحافظة له، ثم استمع إلى قصائده التكفيرية؟ كيف سيؤثر ذلك على معتقداته؟
ولا حاجة إلى شرح أثر إحياء هذه المناسبات علناً في تجييش القلوب وإفقاد ثقة بعضنا ببعض فهذا أمر مسلّم به، ولا يوجد شخص يقبل هذه الاتهامات تجاه رموزه. وأقول في هذا المقام رحمك الله يا سيدنا محمد حسن فضل الله الذي أعلن بأعلى صوته عدم صحة الخرافة المذكورة وله من المواقف ما يشهد لها التاريخ، وتحمل طيب الله ثراه في سبيل ذلك الكثير من الحمقى والمتطرفين.
أما الجانب الآخر - وفي الإطار الشعبي أيضاً - فلا يخلو من التطرف وغياب الحكمة، فهناك جماعة استضافت الشيخ محمد العريفي في أسوأ وقت بعد أسابيع قليلة من تصريحاته التحريضية. واكتملت الصورة الهزلية بتزامن حضور العريفي مع إحياء مناسبة الخرافة المذكورة، فقام نفر من المشاركين في هذه المناسبة التكفيرية بإدانة حضور العريفي واتهامه بالتحريض!
التحريض المعنوي لا يقل خطورة عن الجسدي، بل هو من يقوده، وعلى الجميع التحلي بالوعي الكافي لمنع هذه المظاهر التي مع الأسف أصبحت تنتشر يوماً بعد يوم "عيني عينك".
ملاحظة: قصائد الرادود المذكور موجودة أحتفظ بها وأرحب بإرسالها لكل من يطلبها.[b]