سأل الرئيس التنفيذي لأحد الشركات اليابانية العاملة في بريطانيا عن أحد مديريه فقيل له إنه في إجازة مرضية وطلب الرئيس وهو ياباني الجنسية عنوان المدير. وبعد ساعة كان الرئيس يطرق باب منزل المدير الذي ما أن شاهد رئيسه حتى احمر وجهه غضباً وكاد أن يصرخ في وجهه ويطرده من أمام منزله. السبب هو تضارب ثقافتين مختلفتين. الرئيس الياباني تلزمه ثقافته المجتمعية أن يشارك زملاءه ومرؤسيه أفراحهم وأن يطمئن عليهم في حال مرضهم، بينما المدير البريطاني فسر زيارة رئيسه له بأنها للتأكد من أنه فعلاً مريض.
إنها الثقافة المجتمعية التي يعرفها (هومستيد) بكونها "برمجة جماعية للفكر" ويقول عنها (دين وكني) إنها "نظام لقواعد غير مقننة تتحكم في سلوكيات الأشخاص في معظم الأوقات وأسلوب تفكيرهم".
إليك عزيزي القارئ هذا الموقف الإداري الذي قد يعكس تأثير الثقافة المجتمعية على عملية صناعة القرار الإداري.
(1)
اجتمع المدير العام مع نوابه ومديريه ليعرض عليهم النظام المستحدث في تقييم أداء الموظفين. وأخذ يشرح لهم الملامح الرئيسة لهذا النظام الذي قال عنه إنه مبني على عناصر علمية تهدف إلى قياس إنتاجية الموظف ومساهمته في تحقيق الأهداف الموضوعة من قبل المؤسسة، وأكد المدير العام أن النظام المستحدث سيكون هو الأساس للترقي الوظيفي والزيادات السنوية ومنح الحوافز والمكافآت. واتفق الجميع على أن هذا النظام في حال تطبيقه سيعزز من مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص ويساهم في إيجاد مناخ تنافسي مهني بين العاملين وهذا بدوره يساهم في زرع الولاء لدى منسوبي المؤسسة. واتخذ الجميع قراراً بتنفيذ هذا النظام.
(2)
بدأت المؤسسة في تهيئة المناخ لتطبيق النظام المستحدث لتقييم الأداء وتم وضع الإطار الزمني لبرنامج الإعداد والتهيئة الذي اشتمل على ورش عمل ودورات تدريبية نظرية وعملية وبرامج توعوية. كانت برامج التهيئة والإعداد مؤثرة قياساً على النتائج التي عكست مساندة الغالبية من العاملين للنظام المستحدث وخاصة تلك الفئة المشهود لها بالإنتاجية والكفاءة. واستمر برنامج الإعداد والتهيئة لأكثر من ستة أشهر وكانت النتائج مشجعة جداً، ولكن...
(3)
تسلم مجلس الإدارة كتاباً موقعاً من قبل عدد من العاملين والعملاء الرئيسيين للمؤسسة مفاده أن النظام المستحدث يعمل على التفريق بين العاملين ويعزز مبدأ التمييز بين الموظف وأخيه الموظف ويولد الشعور بعدم الارتياح فيما بينهم ويساهم في تفكيك العلاقة الحميمية القائمة بينهم حيث ستختلف نتائج التقييم وبالتالي سيحصل البعض على امتيازات مادية معينة بينما يحرم آخرون منها وهذه ليست عدالة، كما ورد في الكتاب.
كتاب آخر ورد للمجلس ولكنه جاء هذه المرة من عدد من المشرفين ومفاده أنهم لا يحبذون تطبيق هذا النظام لأنه من الصعوبة مواجهة مرؤسيهم بنتائج أدائهم ولأن هذا لا يتماشى والثقافة المجتمعية.
عزيزي القارئ، لو كنت أحد أعضاء المجلس ماذا سيكون قرارك، ولماذا؟
*عضو مجلس الشورى [b]