عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ان الله تعالى خلق الخلق حتى اذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ من القطيعة، قال: نعم، اما ترضين ان اصل من وصلك واقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذاك لك". ثم قال صلى الله عليه وسلم: "اقرأوا ان شئتم: "فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم" (محمد22-23) (الحديث متفق عليه/ اخرجه البخاري برقم 5987، ومسلم برقم 2554 واللفظ لمسلم).
هذا الحديث الجليل يؤسس للعلاقة بين المسلم وارحامه وهي علاقة وثيقة يعود نفعها على الانسان في حياته وبعد مماته.
والمتاجر مع الله تعالى في هذا الوجه من اوجه الاستثمار وهو صلة الرحم متاجرة رابحة ولا شك، وليس لارباحها سقف معلوم ولا نسبة مئوية محددة، ويكفي شرفا وعظمة ان يتولى الله تعالى مكافأته على صلة رحمه، فقد وعد الحق تبارك وتعالى المسلم الواصل رحمه بأن يصله الله تعالى.
وحين يصل الله تعالى العبد يغنيه عن صلة الناس له، وعندها يعلم المسلم ان صلته لرحمه وان هم قطعوه فيها الخير الكثير له ولنسله من بعده.
جاء رجل يشكو قرابته الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول الله، ان لي قرابة اصلهم ويقطعونني، واحسن اليهم ويسيئون الي، واحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: "لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل، ولايزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك"، (رواه مسلم واخرجه برقم 2558).
هذه هي حقيقة صلة الرحم اما الذي يصل من وصله من رحمه فهذا هو المكافئ الذي لا له ولا عليه.
والسيئة لا تمحى بالسيئة، انما تمحى بالحسنة، فلو اساء اليك رحمك وعصوا فيك الله، فأحسن اليهم واطع الله فيهم.
هذا هو المسلم الذي يريده الاسلام وينشئه وفق قيمه ومبادئه.
والاستثمار في هذا الوجه رغم ان قليلا من الناس ما يسعون اليه فإنه استثمار مبرور مبارك، وعائده عظيم ليس له حدود، ومن اعظم ما يدره عليك استثمار صلة الرحم انه يبسط لك في رزقك، وينسأ لك في اثرك، فيظل ذكرك عطرا بين العالمين، ويكون عقبك محل رعاية الله تعالى وحمد الحامدين الشاكرين.
ان في صلة الرحم ما يعزز العلاقات الاسرية ويقوي روابطها، ثم هو الاساس المكين لعلاقات اجتماعية سليمة ومباركة.
ومن مقام صلة الرحم عند الله تعالى انه سبحانه حذر اشد التحذير من قطعها وقرن ذلك بالافساد في الارض، واي فساد اعظم من ان تسوء العلاقات بين الارحام والاقرباء وتنشأ بينهم العداوة والشحناء، وتتقطع اواصرهم؟ يقول تعالى: "والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار" ]الرعد/25[.
وليعلم المسلم ان احق الناس بحسن صحابته او صحبته امه التي حملته وهنا على وهن، وكرها على كره، وسهرت لينام، وجاعت ليشبع، وتعبت ليرتاح. هذه الأم التي تحملت الكثير من اجل سعادة ابنائها وهنائهم لها من الحقوق ثلاثة، جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من احق الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "أبوك". (متفق عليه - اخرجه البخاري برقم 5971، ومسلم برقم 2548).
نعم يبدأ سلم صلة الارحام بالأم ولها حقوق ثلاثة ثم الاب وله حق واحد، ثم الاقرباء فالأقرب من الارحام.
هذا النظام المعجز والباهر في العلاقات الاجتماعية التي اسس قواعدها الاسلام وحض اتباعه على العمل وفقها هو الذي انشأ المجتمع الاسلامي المترابط والوثيق، وان اهمال هذه القواعد يعود بالضرر على اللحمة الاجتماعية التي جاء الاسلام ليؤسس لها ويحرص عليها.
فمن يتاجر مع الله تعالى ويكون رأسماله صلة الارحام وان قطعوه كان من الفائزين والمحققين لمعدلات تنمية في اللحمة الاجتماعية ونسب ارباح عالية تسد الخلل في عبادته وتجبر المنكسر من اعماله، ثم هي بعد ذلك ارث يتركه الرجل والمرأة في اعقابهما فيسعدون وتنتشر المحبة والمودة بينهم.
ذلك هو صندوق الادخار في صلة الارحام، فاحرص عليه اخي المسلم واحرصي عليه اختي المسلمة فهو سبيلكما الى رضوان الله تعالى.
[b]