فتحنا باب الاستثمار للزوج مع زوجته، حيث دللناه على وجه من وجوه الاستثمار يغفل عنه كثير من الناس، ويهونون من أمره، ولا يظنون أن وراءه خيرا كثيرا، حتى تأكد للزوج أن الإحسان إلى الزوجة له مردود دنيوي عاجل، وله عطاء أخروي آجل.
في الدنيا يجني الزوج سعادة زوجية، وصلاحا للولد، وتوفيقا للسعي وحبا من الناس له، وتهافتا عليه.
وحديثنا اليوم عن باب الاستثمار تقوم به الزوجة لزوجها، وتجعل لها صندوقا ادخاريا للآخرة في الإحسان إلى الزوج وحسن التبعل له.
يقول الله تعالى: "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله" (النساء 34).
تؤسس هذه الآية الجليلة لحق الزوج على زوجه، وحفظ حقوقه والعناية به، وفعل كل ما يرضيه ويسعده، وللزوجة على زوجها مثل ذلك.
ولقد بيّن صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حقوق كل من الزوج على زوجته، والزوجة على زوجها، فقال صلى الله عليه وسلم بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه وذكر ووعظ، ثم قال: "ألا واستوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوان عندكم، ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضربا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، ألا إن لكم على نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا، فحقكم عليهن ألا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن"، (رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح/ أخرجه برقم 1163 وابن ماجة برقم 1851).
إن حقوق الزوج على زوجه عظيمة، ولقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الزوجة عن أن تصوم صيام تطوع وزوجها حاضر من دون إذنه، قال صلى الله عليه وسلم: "لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد - أي حاضر - إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه" (متفق عليه/أخرجه البخاري برقم 5195، ومسلم برقم 1026 واللفظ للبخاري).
ولهذا، فأعظم استثمار للمرأة بعد أداء الفرائض هو حسن معاملة زوجها، وإدخال السرور والسعادة على قلبه، وتلمس مواضع رضاه، والسعي في خدمته وخدمة عياله، وما أصدق وأبلغ وصايا تلك الأم لابنتها حين قالت لها: يا بنية كوني له أمة، يكن لك عبدا!
فكما أن المرأة خادمة في بيت زوجها، تخدمه وتخدم عياله، فهو خادمها خارج البيت، والسائق الذي ترسله ليقضي حاجاتها، فلا يقلل هذا من شأنه، ولا يقلل ذلك من شأنها، وفي الأمثال العربية: خادم القوم سيدهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشارك أصحابه في القيام ببعض الأعمال، وحين يقولون له: يا رسول الله نحن نكفيك، يقول لهم: أعلم أنكم تكفوني، ولكني أكره أن أتميز عليكم.
صلى الله عليك يا سيدنا وحبيبنا ورفع ذكرك في العالمين، لقد علمت أمتك التواضع وحسن الخلق.
نعم، إن خدمة المرأة لزوجها وتفانيها في إسعاده وإدخال السرور على قلبه، عمل يشكرها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عليه، ويثيبها ثوابا عظيما، فإياك أختي المسلمة أن تدعي هذا الوجه من وجوه الاستثمار، وإياك أن تدعي صندوق ادخارك خاليا من حسن معاملتك لزوجك، فإنه ميدان قل من يتنافس فيه، فلا تفوتي هذه الفرصة وإن سرت فيه وحدك، وكوني رائدة لأخواتك المؤمنات، ومشجعة لهن على ارتياد هذا الميدان، فيكون لك أجر عملك، وأجر من يعمل بعملك لا ينقص من أجورهن شيئا.
[b]