مع بدء العد التنازلي لانتخابات الفصل التشريعي الثالث، بدأ التنافس بين الجمعيات السياسية.. حتى بين المستقلين يزداد ضراوة لحصد مقاعد المجلس البرلماني، وبدأت التصريحات والتعليقات تتزايد في ساحة المنافسة، ترافقها وجوه جديدة تظهر وأخرى تفتر.
ولكن.. ربما هناك مشهد غامض نوعا ما في هذه الساحة، بل مشهد غريب، ملخصه سؤال واحد: أين المرأة؟
فعلى عكس ما توقع الكثيرون من اقتحام المرأة البحرينية هذه الانتخابات بقوة اكبر من سابقتها خاصة بعد ان حققت شقيقتها الكويتية نتائج مشرفة، وعلى عكس ما كان منتظرا من ارتفاع الروح المعنوية وتنامي الثقة بالنفس، على عكس ذلك كله، مازال الغموض يلف ترشح المرأة، بل ان الأسماء التي امتلكت الجرأة لتعلن ترشحها لا تتجاوز حتى الآن عدد أصابع اليد الواحدة، فيما بقيت أسماء لامعة حبيسة التردد وأسيرة الترقب والتوجس.من حقنا ان نتساءل أمام هذا الوضع: هل هناك مشكلة؟ أين الخلل؟ هل هو فتور؟ هل هو تردد ونقص في الثقة؟ أم هو تكتيك وتخطيط تريد به حواء ان تدرس الساحة قبل ان تفرض نفسها.. بقوة؟
المؤشرات ربما تدل على عكس هذا الاحتمال الأخير، وربما تميل الكفة إلى جانب من يعتقد ان نتائج التجربتين الماضيتين لاتزال تراود حواء في كوابيسها.
حتى لو كان ذلك واقعا، من المسئول عن معالجة هذا الوضع؟ وما هو دور المجلس الأعلى للمرأة في هذا الجانب وهو المؤسسة التي رفعت عاليا شعار تمكين المرأة؟
العقبة المادية
بين أروقة المجلس، وإلى مكتب الأمين العام للمجلس الأعلى للمرأة، حملنا كل تساؤلاتنا هذه لنطرحها على الأستاذة لولوة العوضي التي طالما كانت لها صولات وجولات من اجل تحقيق هدف طموح.. هو تمكين المرأة.
من دون مقدمات سألنا الأستاذة العوضي: ألا تعتقدين ان الصورة مازالت غامضة حتى هذه اللحظة بشأن ترشح النساء؟
تجيبنا الأمين العام للمجلس الأعلى للمرأة: المسألة ليست غموضا، فحق الترشح مكفول بالدستور والقانون للمرأة، ومن تجد لديها القدرة على المنافسة قررت فعلا وقطعت شوطا في ذلك، وإن كان العدد قليلا، وهذه القلة تعود إلى الظروف التي مرت بها الانتخابات بحيث صارت المرأة لا تقدم على الترشح بشكل غير مدروس، فالتجربتان السابقتان رغم ان المرأة لم تصل فيهما إلى قبة البرلمان بالشكل المطلوب فإنني شخصيا لا اعتبرها تجارب فاشلة خاصة ان حضور المرأة كان لافتا في انتخابات 2006 وكانت قدرتها التنافسية قوية، ورأينا صورها وحملاتها تملأ الشوارع، بل انها نافست الرجل بقوة في بعض الدوائر وحصد بعض المرشحات أصواتا أقلقت الرجال بالفعل، وهنا المفترض من المرأة البحرينية ان تبني على هذه النتائج لا ان تعزل نفسها.
} ولكن ألا توافقيني أن التردد مازال هو سيد الموقف بالنسبة لأغلب من يفكرن في الترشح؟
- التردد إذا نظرنا إليه بمقياس العدد أقول: نعم.. كان العدد اكبر في التجربة السابقة، وفي الحقيقة استغرب ولا اعرف سبب عزوف مترشحات سابقات عن خوض التجربة مرة أخرى، فهذه تقديرات شخصية لهن، ولكن في تصريحاتهن المس ان العقبة المالية هي السبب في اغلب الحالات، على اعتبار ان اغلبهن مستقلات ولا يحصلن على دعم معنوي أو مادي من الجمعيات وغيرها.
المجلس الأعلى
} ما هو دور المجلس الأعلى للمرأة في المساهمة في إزالة هذا التردد وإعادة الثقة للمرأة البحرينية؟
- دعنا نطرح الموضوع بشكل أو بنظرة أكثر شمولية، مسألة الترشح ليست موسمية، وإنما هي عملية يجب ان تتصف بالاستدامة والتحدي والاستمرارية، فالانتخابات هي في النهاية لعبة سياسية، والساحة بطبيعتها مفتوحة للرجل أكثر من المرأة، وبالتالي إذا أرادت البحرينية ان تخوض التجربة فعليها ان تواجه تحدي استمرارية بقائها على الساحة السياسية، بمعنى ألا تعزل نفسها طوال السنوات الأربع الماضية ثم تظهر عند الانتخابات، فالاستمرارية تحد أساسي ومهم للمرأة، وهو يفرض ان تبني المرشحة على تجربتها السابقة منذ اليوم الأول الذي توقفت فيه الانتخابات، ونحن كمؤسسة رسمية حاولنا ألا نعزل المترشحات على الساحة، فنظمنا عدة برامج منها برنامج الدبلوما السياسية في معهد البحرين للتنمية السياسية كي يبقى تواصلهن في الساحة السياسية مستمرا.
وهنا لابد ان نؤكد مسألة مهمة هي ان البرلمان احتراف ومهنية يتطلبان من المرشح الرجل أو المرأة الإلمام بالأدوات البرلمانية ومهارات التشريع، فربما كانت التجربة البرلمانية جديدة بعض الشيء ولكن آن الأوان لئلا ينظر للمجلس النيابي على انه ساحة للصوت الأعلى، الصوت المشاغب، وآن الأوان لأن يعي الناخب أن العملية التشريعية ليست مجرد صراخ في المجلس، فلابد ان يلم المرشح بالمنهجية العلمية والعملية للتشريع بحيث يسخر الأدوات البرلمانية لخدمة الوطن والمجتمع. ولكن للأسف هذه النظرة لم تتبلور بعد حتى الآن بشكل مطلق، ورغم اننا نمر فعلا بمرحلة انتقالية فإنه في اعتقادي ان الوقت قد حان بعد فصلين تشريعيين ان نغيّر قراءتنا ونؤسس نوعا من الوعي لدى الناخب والمرشح، ثم انه من الخطأ ان تستمر النظرة التي تدعو إلى إيصال هذا النائب أو ذاك فقط من اجل مناكفة الحكومة، فلدينا من المطالب والاهتمامات ما يجب ان نركز فيه.
وهنا يؤسفني ان أقول انه رغم النتائج التي حققتها المرأة في الانتخابات السابقة فإن المرشحة كانت اقل كفاءة من الرجل الذي وصل.
} أيا تكن العقبات، ألا تؤيدينني أن هناك تأخرا كبيرا في حسم الأمر بالنسبة للمرشحات؟
- لا أميل للخطاب السلبي، ولكنه الواقع للأسف، فالمرأة التي تريد الترشح لم يكن لديها للأسف استمرارية، وهذا ما تفتقده المرأة البحرينية، فعلى المترشحة ألا تنتظر قرار هذه الجمعية أو تلك، وألا تبقى مترددة حتى آخر لحظة، فرغم كل الظروف نجد ان الرجل لم ينقطع عن الساحة، فيما تركزت هذه المشكلة عند المرأة، فلم نعد نرى المرشحات إلا أيام الانتخابات، والمفترض ان تعمل منذ الانتخابات السابقة على تكوين خلايا عنقودية اجتماعية توصلها إلى قاع المجتمع وهموم المواطنين، لذلك نجد في أمريكا مثلا يعمل المرشح على هذا الأمر قبل سنوات من ترشحه ولا ينتظر اللحظات الأخيرة.
برامج "الأعلى للمرأة"
} في الانتخابات السابقة كانت هناك برامج مشهودة من اجل تمكين المرأة، ولكن ربما تبدو هذه الأنشطة اقل لهذه الانتخابات، هل هو تأثر بالنتائج السابقة أيضا؟.
- يجب ألا ننظر إلى العملية بهذا الشكل، فلو كان العمل موسميا لأمكنت المقارنة فعلا، ولكن عملنا في المجلس ممنهج وفيه استدامة وخطة استراتيجية ولّدت خطة وطنية تركز في سبعة مجالات منها (المرأة وصنع القرار)، وهذا يعني ان جهود وأنشطة المجلس تراتبية وتراكمية ابتدأناها عام 2002 ببرنامج التوعية للانتخابات الذي قادته صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة حرم جلالة الملك، رئيس المجلس الأعلى للمرأة، وترتب عليه ان الناخبة تساوت في أعدادها من حيث الكتلة الانتخابية مع الرجل، وكانت هذه أول خطوة نجحنا فيها وهي مهمة خاصة انها سبقت أول تجربة انتخابية، فالكثير من النساء لم يكن يعرفن حقوقهن السياسية وماذا يفعلن، وتلك البرامج حركت المرأة لاستخدام حقها الدستوري، وهذا بحد ذاته انجاز لأننا لو قارنا الأمر بدول اعرق منا في التجربة نجد انه مازال هناك عزوف حتى عن حق الانتخاب، فما بالنا بالترشح؟
وفي 2006 كانت مرحلة تحد من نوع آخر، حيث كان التركيز في تدريب المترشحات، وهنا أقولها بكل فخر ان المرأة التي دخلت البرنامج تمكنت فعلا من المهارات التي يتطلبها العمل النيابي، وهناك سيدات تشهد لهن الساحة بأنهن لا يقلن عن الرجل الذي وصل ان لم يكن أفضل منه، بدليل تقارب الأصوات في كثير من الدوائر، ولم يغفل المجلس في تلك الانتخابات دور التوعية أيضا لكنه ركز في التدريب بحيث أفرزت تلك البرامج مرشحات قادرات على قيادة التدريب.
أما الآن فقد يعاب على المجلس عدم وجود برنامج تدريب، ولكن في الحقيقة ان المجلس أوجد كما ذكرت قيادات تدريبية عديدة قادرة بنفسها على قيادة فرق تدريبية، وبالتالي يرى المجلس الأعلى للمرأة ان المترشحات لا ينقصهن التدريب، لذلك كان التركيز في جانب آخر هو ما ذكرته عن تحدي الاستمرارية، ومن اجل ذلك حرصت اغلب البرامج على بقاء المترشحات في السنوات السابقة على اتصال بالساحة قدر الإمكان، وتم إرسال العديد منهن لورش عمل ومشاركات خارجية.
وبالتالي في هذه المرحلة نعتقد ان المشكلة لم تعد في المرشحة، وإنما في الظروف سواء اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية، لذلك أجرينا دراسة واسعة مع الأمم المتحدة، ووضعنا من اجلها منهجية تراكمية تركز في البداية في غرس ثقافة حقوق المرأة السياسية.
ومن هنا لا يمكن ان نقول ان دور وجهود المجلس اقل من السابق لأن العملية كما ذكرت تراكمية، وكل برنامج يكمل الآخر.
تعاون الجمعيات
} فيما يتعلق بالدراسة، ذكرت في تصريح سابق أن تسع جمعيات فقط تعاونت معكم في الدراسة من بين 63 جمعية، ماذا يعكس ذلك؟
- يعكس ان المرأة ليست أولوية في برنامج عمل هذه الجمعيات.
} كيف واغلب الجمعيات تؤكد العكس بدليل دعم بعضها لمرشحات؟
- أولا يجب ان نعي ان الترشيح من جمعية ليس هو التمكين، فما نريده هو الخطة التي تضعها الجمعيات السياسية من اجل تمكين المرأة، وهنا أتساءل: هل هناك جمعية سياسية وضعت لها خطة عمل واضحة تكون المرأة فيها من أولوياتها؟ أين هذه الجمعية أو تلك من الشريحة الكبيرة من النساء؟ فرغم وجود جمعيات رشحت نساء مثل وعد التي أكدت في نظامها الأساسي ان المرأة تمثل أولوية، فإن السؤال هو أين انعكاس ذلك على الواقع؟ وفي الحقيقة أنا أشيد بالنظام الأساسي لوعد كونه أكد دور المرأة، ولكن أين خطة العمل التطبيقية؟ لذلك أقولها بصراحة ان الجمعيات السياسية مازالت تفتقد برامج ومشاريع تمكين المرأة.
} ماذا عن الجمعيات الإسلامية التي تؤكد دعمها المرأة ولكنها لم ترشح أي اسم أنثوي؟
- تنسحب عليها الإشكالية نفسها، حيث تفتقر إلى برامج دعم المرأة رغم تأكيدها هذه الدعم، وهذا ليس رأيي الشخص ولكنه نتاج دراسات مهمة، فالدراسة التي أجريناها بينت ان هناك نوعين من الجمعيات، الأول جمعيات ليبرالية تقتصر برامجها على أعضائها وليس لها انتشار أو جذور في المجتمع. والثاني جمعيات إسلامية رأيها يختلف عن الواقع العملي، لذلك من المهم جدا ان نستفيد من هذه الدراسة لأنها دراسة نوعية وجهد يمثل رسائل مهمة حتى للأجهزة الحكومية، وكان من المفترض ان تحلل كل وزارة مؤشرات النتائج وان تأخذ الجمعيات السياسية بمواطن القوة والضعف انطلاقا من هذه الدراسة لتصحح الضعف وتعزز القوة.
دور الجمعيات
} هل يحق لي القول ان مواقف أو أداء بعض الجمعيات انعكس سلبا على حظوظ المرأة؟
- دعنا نتحدث بصراحة اكبر، فالعملية الانتخابية بالبحرين والتحول السياسي الذي سعينا له تحول إلى صراع بين الجمعيات من اجل الوصول إلى كرسي البرلمان، وتحولت إلى صراع إثبات وجود قبل كل شيء، صراع إثبات القوة والسطوة والهيمنة، وبمعنى آخر ان البرلمان اختُطف وصار أشبه بمعركة لإثبات وجود هذه الجمعيات، لذلك نرى انه حتى الرجل المستقل بات يواجه مشاكل المرأة نفسها تقريبا، كأن البرلمان انشئ لهذه الجمعيات، وهذا ما يتطلب دراسة حقيقية وعميقة.
وفي اعتقادي ان قلب هذه المعادلة وتغييرها يقعان بالمقام الأول على المواطن نفسه، كما حدث في الكويت حيث كان التغيير من الناخب نفسه، وبالتالي العبء في هذه المرحلة يتحمله الناخب لإعادة التوازن تحت قبة البرلمان بحيث يمثل المجلس المواطنين كافة وليس الجمعيات فقط.
الشباب
} سمو الأميرة سبيكة أكدت خلال لقائها طلبة جامعة البحرين دور الشباب في دعم المرأة، هل لديكم برامج مخصصة للشباب باعتبارهم الجيل الناخب في السنوات القادمة؟
- بالتأكيد، هناك لقاءات وبرامج مستمرة ربما كان أبرزها اللقاء الذي أشرت إليه مع الشباب في جامعة البحرين، حيث كان لقاء مباشرا للاستماع إلى آرائهم بصراحة، وهناك برامج مستمرة مثل لجنة الشباب المتعاونة مع الجمعيات الشبابية، ونحاول مد قنوات التواصل مع فئة الشباب بشكل اكبر، علما بأننا في هذه اللقاءات الشبابية لا نتدخل فيها أبدا ولا نفرض أي رأي، بل نحرص حتى على اختيار المكان الأنسب حتى لا يشعر الشاب بأي رهبة، ونترك أمر إدارة اللقاءات للشباب أنفسهم، ونحرص كذلك على عدم وجود أي مسئول حتى يطرح الشباب آراءهم بحرية اكبر.
} أطلقت قبل أيام جائزة الشيخة سبيكة للجمعيات بهدف تمكين المرأة، هل تعتقدين ان الجائزة من الممكن ان تقدم شيئا وتسهم في تمكين المرأة؟
- نحن نأمل ذلك فعلا، والمنتظر من الجمعيات سواء السياسية أو المهنية ان تبدأ فعلا بالتمكين، صحيح ان الجمعيات المهنية ليس لها عمل سياسي ولكننا نريد ان تسهم في إيصال المرأة إلى مواقع صنع القرار فيها، وهذه خطوة مهمة جدا لأن المرأة متى ما وصلت إلى مواقع صنع القرار ستفرض نفسها تلقائيا على الساحة الانتخابية والسياسية، ففي الدول الأوروبية نرى أن اغلب السيدات البرلمانيات قادمات من هذه المواقع، لأن المرأة عندما تحتل موقعا قياديا فإنها تقنع الرجل والمرأة بأنها مؤهلة.
وبالتالي فإن للجائزة هدفين، الأول يتعلق بالجمعيات السياسية ويركز في دعم المرأة في الوصول إلى مجالس إدارات هذه الجمعيات من جانب، ودعمها في الترشح للمجلس النيابي من جانب آخر. والهدف الثاني يتعلق بالجمعيات المهنية ويركز في ان تكون هذه الجمعيات عاملا مساعدا لوصول المرأة إلى مجالس إداراتها.
قراءة المشهد القادم
} بصراحة.. كيف تقرئين المشهد الانتخابي القادم فيما يتعلق بفرص المرأة؟
- هناك فعلا وجوه تبشر بأنها قد تصل، وشخصيا اقرأ في الخريطة السياسية إمكانية فوز المرأة، ومجرد التصميم والإصرار اللذين المسهما لدى المرشحات اللاتي حسمن أمرهن هو دلالة قوية، وأنا احيي في المترشحات هذا التصميم الذي يؤكد ان بأس المرأة شديد وليست بالكائن الضعيف الذي يستسلم بسهولة، فرغم ان العدد قليل فإن هناك ثقة كبيرة لدى المترشحات ولديهن روح التحدي، وهذا ما مرت به المرأة العربية وقبلها الأوروبية، فالسيدة الفرنسية مثلا حصلت على حقوقها بعد قرن كامل من الثورة الفرنسية. لذلك أقول ان العدد قليل فعلا ولكن"كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة".